
أهلًا يا أصدقاء،
بمناسبة معرض الكتاب الدولي بالرياض، تعاونت أنا والصديقة نورة القصبي صاحبة تطبيق “ضمة” وهي مكتبة افتراضية تساعد الأمهات على البحث عن كتب مناسبة لأطفالهم وقراءة توصيات الأمهات الأخريات.
وهنا، سأترك لها مساحة الكتابة للحديث عن تجربتها في سرد القصص لبناتها وكيف انغرست أول بذرة لزراعة مشروعها الحالي الفريد “ضمة” .

عندما علمت بحملي بابنتي الثانية كانت مشاعري عبارة عن مزيج بين الخوف من مسؤولية طفل ثاني وبين الحماس والفرحة لهبة الله وكرمه. وفي محاولة لتقبل مشاعري كنت أيضاً أحاول أن أتفهم بعمق مشاعر ابنتي. كانت ابنتي لم تكمل السنة و٦ أشهر! يا ترى كيف ستتقبل هذا التغيير؟ هل لديها الاستعداد الكافي لفهم الوضع؟ كيف ممكن أساعدها في فهم واقعنا الجديد؟ كيف ممكن أنشأ علاقة سليمة بينها وبين المولودة الجديدة؟ وغيرها من التساؤلات التي كانت تبادر ذهني.
من خلال قصص الأطفال وجدت الراحة والإطمئنان لي ولها:
شرحت القصة بطريقة مناسبة لعمر ابنتي الصغيرة عن التغيرات والمرحلة القادمة بلغة سهلة ورسومات معبرة.
كتاب أضاف بكلماته القليلة ورسوماته المضحكة منظور طفلة مع المولود الجديد.
كتاب تفاعلي يعرف الطفل عن ماهية احتياج المولود. كانت ابنتي تأخذ هذا الكتاب في كل مكان وتلعب به وزادها بالثقة في فهم المرحلة.
القصص ساعدتنا كثيرا في هذه المرحلة. وجدت كل السيناريوهات التي كنت أخشاها وأتمناها قد طرحت بطريقة مبسطة. بالإضافة وجدت المشاعرالكبيرة المصاحبة لهذه المرحلة والتساؤلات.
فقصة “قلب الأم” شرحت بطريقة جميلة حب الأم لطفلها ووسع قلبها لكل أطفالها.
وكتاب “حين ولدت” يبني قصة حول الطفل وهو يسيتكشف هذا العالم لأول مرة. مع هذا الكتاب بالذات صنعت له ألبوم صور لابنتي وهي تستكشف عالمها.
أحبب القصص في توصيل الأفكار.ومع كل مرحلة أو قضية أو موضوع أريد تعزيزه أو تعديله وجدت أن القصص والحوار ساعدتنا في استيعاب مفاهيم وتهذيب سلوك وتعزيز قيم وتبسيط الأفكار وتوسعة المدارك. كنت أبحث كثيرًا بين المدونات والمواقع الانجليزية عن قصص تتناسب مع الموضوع. وعند السفر كنت أقضي وقتاً في استكشاف القصص في المكتبات. وأيضا في معرض الكتاب في الرياض وجدة كنت أقرأ كتب الأطفال بتمعن شديد وأختبر جودتهم مع ابنتي حتى أجد محتوى يتناسب مع أمومتي وقيمنا كأسرة بالإضافة لما سيجذب ابنتي. ومن أكثر المواضيع التي ساعدتني فيها القصص هي الوعي بالمشاعر والإنفعالات. أسماء المشاعر وأشكالها والطرق المختلفة في التعبير عنها مرسومة ومعبر عنها بطرق تناسب بنتي.
فكرة التوجيه والتواصل عبر السرد القصصي ليست جديدة. جُبل الإنسان على حب القصة من الطفولة إلى الكهولة .فالقصص الشعبية تناقلت عبر الأجيال منذ مئات السنين لغرس القيم و للوعظ. و لقد جاء القرآن الكريم داعيًا بأسلوب القصص، الذي هو أقرب الوسائل التربوية إلى فطرة الإنسان، وأكثر العوامل النفسية تأثيرًا فيه، وذلك لما في القصص من محاكاة لحالة الإنسان نفسه.
امتلأت مكتبتنا بجميع أنواع القصص. وتنوعت المواضيع والطرح والأحجام. كانت الكتب باللغة الانجليزية بالنسبة لي متوفرة و سهلة في استكشافها وايجادها من العربية. ولحرصي على أهمية الكتب العربية كنت عندما أجد كتاب عربي مميز أقتني منه عدداً وأدل جميع معارفي وأهلي وأصدقائي عن الكتاب أو الدار. ومع مرور الوقت ولحبي للكتب والقصص بدأت أتعمق أكثر في فهم “مفاتيح” القصص وما هي المعايير الأساسية والعالمية في أدب الطفل كالرسومات المناسبة لكل فئة عمرية والإخراج وبناء الحبكة والسجع في النص. ومع ذلك أحياناً قصص بهذه المعايير نقرأها كل ليلة وأحياناً قصص بنفس هذه المعايير لا نقرأها إلا نادراً. صحيح أن الكتب مثل الطعام لكل إنسان ذائقة ولكن شعرت أنني أردت أن أوسع فهمي عن عالم قصص الأطفال ومفاتيحه. فقرأت الكثير من الكتب والبحوث حول أهمية السرد وتأثيرها بالإضافة لدورات التربية وعلم النفس.إلى أن توصلت لبحث أضاف بُعد جديد بالنسبة لي في فهم عالم قصص الأطفال:
ذكرت دكتورة رودين سمز بيشوب أن قصص وأدب الطفل بشكل عام تتنوع في كونها” مرآة” و”نوافذ”. فالطفل بحاجة لرؤية عالمين: عالمه الذي يشبهه ويشبه واقعه ,وعالم بعيد عنه لا يمكن أن يتخيل وجوده. قصص كالمرآة يروا فيها أنفسهم منعكسين ، و قصص كالنوافذ تعرض منظور لعوالم حقيقية أو خيالية ، مألوفة أو غريبة من أجل إلقاء نظرة خاطفة على حياة و تجارب الآخر. ومن قراءة القصص التي تعكس واقعنا والقصص التي تسمح لنا أن نرى تجارب أشخاص لا يشبهوننا ,تتوسع آفاق الطفل ومداركه قدرته على التعاطف.
كتاب الطفل كمرآة لهويته
يحتاج الأطفال إلى رؤية أنفسهم وعائلاتهم منعكسة في الأدبيات من حولهم. عندما يرى الطفل شخصيات وصورًا في كتاب تشبهه هو وعائلته ، فهذا يبني ثقته بنفسه و تقديره لذاته ويمنحه شعورًا قويًا بالانتماء وتعزز هويته. فالهوية في القصص لها شكلين: عناصر داخلية كالدين والقيم والأخلاق وعناصر ظاهرية كاللباس والطعام والعادات الاجتماعية والأعراف .ومن خلال هذه القصص يمكن أن تشكل تصورات الطفل عن نفسه وإمكانياته. في هذا الكتاب الشخصية قد تحمل اسم من ثقافته وتعيش في مدينة تشبه مدينته وتحدياته تشبه تحدياته ومن ثم هذه الشخصية تقوم بشيء عظيم أو تتغلب على صعاب مر بها. سيشعر بالمتعه والتمكين عندما يلتقي بشخصية مثله بطريقة ما ، ومشاهدت هذه الشخصية وهي تتطور وتنمو بمرور الوقت بطريقة تحاكي واقعه. هذه القصة ستستمح للطفل أن يسقط القصة على واقعه ويتخيل أنه هو أيضاً يستطيع القيام بأشياء عظيمة. وبالعكس أيضاً عندما يرى شخصية تشبهه تعيش نفس تحدياته وتفشل أو لاتملك قوة في تغيير واقعه لظروف خارج عن سيطرته فسيشعر بالإطمئنان والإقرار بتجربته.
ماذا لو كانت المرآة مفقودة ولا يرى الطفل نفسه؟ هل سيجعلهم ذلك يشعرون بأن تجاربهم غير مهمة ؟ هل سيكون هناك انتقاص لنظرته عن ذاته ومجتمعه لأنه لا يراها في قصصه؟
كتاب الطفل كنافذة للعالم من حوله
النافذة هي الشيء الذي يمكنك رؤية العالم من خلاله ، والكتب التي نقرأها لأطفالنا يجب أن تكون بهذه الجودة حيث يرى من خلالها عوالم قد لا تشبه عالمهم. هذا التنوع في قراءة القصص يوسع مدارك الطفل ويتعرف من خلالها على تجارب للحياة مختلفة عنه وينمي عنده القدرة في تقييم حقيقة العالم و نبذ الصور النمطية عن جنس أو ثقافة أخرى.
تسمح هذا النوع من القصص للطفل بالوقوف بأمان في هويته أثناء استكشاف عالم يتجاوز وجهة نظره الحالية. عندما تعمل الكتب كنوافذ ، تتيح للطفل الفرصة للنظر في الأفكار الجديدة وطرق التفكير الجديدة ورؤية أنفسهم كجزء من مجتمع أكبر. فعندما يعرف الطفل من هو ومن أين أتى وما هي هويته تتكون لديه نظرة عن ذاته وشعور بالإنتماء الذي يسمح له أن يفهم هوية وواقع الآخر.
ماذا لو قرأ الطفل فقط كتب عن عالم يشبهه؟ هل ستزيد من قابليتهم للتأثر بالقوالب النمطية والأحكام المسبقة؟
اكتشاف القصص
شعرت كأم أنه من المهم قضاء بعض الوقت في البحث عن كتب تكون بمثابة نوافذ ومرآة لأطفالي. التعرف أكثر على اهتماماتهم وأفكارهم. كيف ممكن أن أساعد أطفالي في تطوير هويات واضحة وتوسيع رؤيتهم للعالم؟ كيف ممكن أن أجعل من القصة والكتب فرصة لتعريضهم لتجارب تمكنهم في الحياة وتساعدهم في تشكل تصورات؟
استشعرت بفجوة في البحث واكتشاف قصص الأطفال. فنحن في عالم مليء بالمعلومات والسوق مزدحم بالعنوانين والخيارات لكن مازلنا نحتار عند اختيار قصص الأطفال. والجهد المبذول لاقتناء كتب العربية ذو محتوى قيم أكثر بكثير من الكتب الانجليزية. فأنشأت ضمة. ضمة هي الأم التي تسألها عن أفضل قصة لطفلك. بدأت كفكرة تراودني لشعوري بحاجة لتنظيم سوق قصص الأطفال العربية وحتى أنني شاركتها لبعض أصحاب الدور النشر للأطفال كفكرة يمكنهم تطويرها. ومع مرور الوقت شعرت بأنها فكرة تستحق التجربة والاختبار بغض النظر عن التحديات. تواصلت مع شركة لتطوير التطبيقات لبدء الرحلة. مع فريق الشركة قمنا بدراسة الفكرة بتمحّص. شرحت لهم المشكلة وكيف أن سوق قصص الأطفال حالياً ليس مبنيًا على طريقة اتخاذ القرارات للمربين. بنيت بحث تفصيلي بناء على سلوكي كأم ,عمر طفلي , اهتماماته, واهتماماتي كمربية. هذا النوع من البحث يساعدني في التصفح والاكتشاف بناء على أولوياتي كأم أو مربي وليس على حسب تصنيف الدور أو المكتبات. في ضمة أنشأت مكتبة افتراضية لأتمكن من ترتيب الكتب حسب ما أريد لأن ترتيب وتصنيف مكتبة بناتي تكون عادة تحت تصرفهم,و أيضا كي يسهل علي ايجادها لاحقا. ويمكنني أن أقرأ تجارب أمهات ومربيين مع الكتب بكل مصداقية وشفافية. وغيرها من الخصائص التي أسعى أن تجعل عملية اكتشاف قصص الأطفال أبسط ومتاحة للجميع. تطبيق مجاني وينمو كل يوم. مازال هناك مساحة أكبر لتطويره.
الكتب مرآة لرؤية أنفسنا ونوافذ لرؤية العالم خارج نطاق أنفسنا كانت عبر القصص الخيالية أو الواقعية ، وتتيح لنا الفرصة للنظر في حياة الآخرين الذين يختلفون عنا. كل قصة لها إمكانيات أن تكون مرآة ونافذة ، من خلال طرح السؤال “كيف نتشابه أو نختلف عن الأشخاص الموجودين في هذا الكتاب؟” فالمرة القادمة عندما ينجذبوا بناتي لقصة أو شخصية أو عنصر ستكون فرصة لفتح الحوار وتعزيز التواصل وتشجيع التعبير
شكرًا لك نورة على طرحك لتجربتك في المدونة، أثريتي المحتوى وأمتعتي القراء!
فعلا قصص الاطفال تنقذ الامهات بل توقضهم، بالنسبة لي نشأ أولادي بصحبة القصص والكتب المتنوعة حتي أن لهم مدونة إسمهاhttps://mimou-moudi.blogspot.com/ ثمرة هذه الصحبة.