
اهلًا يا أصدقاء،
منذ أيام الجامعة وأنا عضوة في نادي للقراءة، طبعًا النادي يتغير كثيرًا لكن في كل فترة من حياتي كان هناك نادي قراءة أهرب إليه وأنسى نفسي بين الكتب والمناقشات.
لقد أنشأت ٣ نوادِ واحد في الجامعة وكان مدته ٤ سنوات وهو لازال مستمر حتى الآن في جامعة الملك سعود، والثاني بعد زواجي لكنه لم يستمر للأسف لم نجتمع سوى مرة واحدة، والثالث بعد الحظر مباشرة وهو إلى الآن مستمر لمدة سنة ونصف لذا قد جمعت بعض الخبرات المتواضعة في هذا المجال وأحببت مشاركتها معكم.
إن نادي القراءة بالنسبة لي ضرورة، لهذا أسعى له في كل مراحل حياتي، وفي المراحل المحمومة التي لا أستطيع فيها أن أدير نادي للقراءة بنفسي، فإنني أبحث عن أي نادي قراءة أبحث عنه في تويتر وانضم إليه.
فلسنوات كنت عضوة “غير منتظمة” في نادي لنقرأ معًا بقيادة ريحانة الفوزان، وأحيانًا أحب أن أجرب حضور نوادي قراءة عشوائية للتعرف إلى طرق مختلفة لإدارة النقاش واختيار الكتب.
وأنا الآن عضوة أيضًا في نادي أكاديمية مداد للقراءة (عن بعد) وهو النادي الأحب إلى قلبي بين جميع هذه النوادي والأكثر تأثيرًا فيني والأكفأ إدارة وسآتي على ذكر التفاصيل.
أكثر الأشياء التي أراها كثيرًا في نوادي القراءة والتي تقود إلى الفشل إلى هي كالآتي:
- عدم الإلتزام بقراءة الكتاب (لا مانع قراءة نصف الكتاب لكن عدم قراءة الكتاب المقرر أكثر من مره وبلا سبب سوى الإنشغال الدائم بالحياة يُعد سبب غير جاد).
- اختيارات الكتب مملة ومبتذلة.
- النقاشات عشوائية وغالبًا هناك شخص واحد أو اثنين يستحوذان على كل النقاشات.
- النقاشات خارج موضوع الكتاب أكبر بكثير من موضوع الكتاب.
- عدم التجهيز الكافيء للنقاش وتحضير اسئلة عن الكتاب.
- عدم الإلتزام بالحضور، وترك المسألة للمزاج والفضاوة.
أما الأسباب التي تقود إلى نجاح نادي القراءة فهي كالآتي:
١. تحديد الهدف من النادي:
قبل أي شيء يجب تحديد الهدف حتى يسهل كل شيء آخر، هل الهدف الإجتماع بالصديقات وعلى هامش ذلك مناقشة الكتب؟ أم التعرف على مجموعة جديدة قارئة؟ أم مساعدة مجموعة غير قارئة لتتبنى هذه العادة؟ أم قراءة كتب خارج منطقة الراحة؟ أم التعرف على أمهات قارئات؟
٢. تحديد عدد الأعضاء:
أعتقد العدد المناسب يترواح ما بين ٥ (كعدد أدنى) و ١٢ (كعدد أقصى) حتى تتم الإدارة بشكل جيد، وحتى إن تغيب عضو أو عضوان لا يزال هناك حضور كافي لمناقشة ثرية.
بعض الأندية تختار الأعضاء بشكل شخصي وتدعوهم، وبعض الأندية تترك المجال مفتوح تمامًا لمن يريد أن ينضم، وبعضها توفر نموذج للتقديم وتختار أعضاء بحسب ما يناسبهم.
وأرى من أسباب نجاح النادي وجديته واستمراريته هو إحسان اختيار الأعضاء واقتصارهم على جنس واحد إما للرجال فقط أو للنساء فقط.
٣. الاتفاق المسبق مع الأعضاء على الإلتزام التام بقراءة الكتب:
هذا ليس نادي محادثات شخصية وحلى وقهوة، رغم أنه لا عيب في الأحاديث الشخصية لكن سيكون تحت مسمى نادي اجتماعي وليس قراءة. من خبرتي، عندما يحضر الأعضاء بدون قراءة الكتاب سوى عضو أو عضوين، سينتهي المطاف بالحديث عن مواضيع أخرى تمامًا غير موضوع الكتاب. لذا أرى من الضروري جدًا بوضع هذا الأمر في عين الاعتبار والالتزام به بشكل مشدد. نادي أكاديمية مداد يشترطون ذلك قبل التسجيل، وهناك تقييم شهري لكل عضوة وحينما تتخلف العضوة عن الحضور أو قراءة الكتاب (أكثر من مره) يتم سحب العضوية منها، لهذا أعتقد أنه من أسباب نجاح النادي، كل العضوات حريصات جدًا جدًا على الحضور والمشاركة الفعّالة، بشكل لم أرَ مثله في أي نادي آخر.
٤. تحديد يوم اللقاء ووقته:
أنجح طريقة هي تحديد يوم ثابت وساعات ثابتة للقاء كل شهر، في نادي القراءة الخاص بي وقتنا الثابت هو آخر أربعاء من كل شهر من الساعة الثامنة إلى العاشرة مساءً. بحيث تكون الساعتين الأولى مخصصة للنقاش عن الكتاب فقط وبعد ذلك يصبح الوقت مفتوح إلى أي حوار آخر وموضوعات أخرى وبالعادة يمتد إلى الساعة الحادية عشرة والنصف مساءًا، وأرى هذا مناسب إذا كانت المجموعة يعرفون بعض، أما إذا كانوا لا يعرفون بعض فأعتقد الاقتصار على ساعتين نقاش ثم انهاء الجلسة أفضل.
٥. طريقة اختيار الكتب:
هناك عدة طرق لإختيار الكتب وطبعًا يعتمد ذلك كثيرًا على الهدف من النادي. بعض الأندية تضع عناوين مسبقة للأعضاء بدون أن يكون لهم رأي، وهذه الطريقة تساعد أن يقرأ الشخص خارج منطقة راحته تمامًا. ففي نادي أكاديمية مداد، إختيارات الكتب تكون إما أدبية أو شرعية أو فكرية، وقد قرأت معهم كتبًا ثرية لا أظن أنني سأقرأها لوحدي، لكنها أضافت لي الكثير وبنت لي ثقافتي وحسي الأدبي.
أما في نادي القراءة الخاص بي، تركنا كل عضوة تختار ٤ كتب تود أن تقرأها على أن لا تتعدى صفحاتها ٣٠٠ صفحة وفي أي مجال، ثم نختار منها ٢-٣ كتب تناسب هدف النادي ورتبنا كتاب لكل شهر بحيث كل عضوة يتسنى لها قراءة كتاب أو كتابين من ما اختارت.
هناك أندية تحدد ثيمة معينة للنادي، فيقرأون روايات عالمية مترجمة من كل بلد، أو كتب تربوية فقط، أو كتب دينية فقط، أو كتب مؤلف محدد كابن القيم أو الطنطاوي أو غازي القصيبي، أو أدب الأطفال أو أدب الرسائل.
٦. تحديد مكان اللقاء:
قد يكون المكان عام ومحدد، ففي إحدى الأندية اختاروا مركز الملتقى النسائي للاجتماع كل شهر منذ سنوات، أو قد يكون عن بعد على الزووم، أو قد يكون في مقهى هادي، أو في حديقة إن كان الجو عليلًا.
بالنسبة للنادي الخاص بي، وبما إننا صديقات فإن كل عضوة (التي تختار الكتاب) تستضيفنا في بيتها، وإن لم تستطع تختار أي مكان هادئ لنلتقي كلنا هناك.
٧. الضيافة:
يجب أن تكون الضيافة غير متكلفة لضمان استمرار النادي، إن المناسبة ليست لإستعراض كا ماهو جديد وغريب في عالم الموالح والحلويات، بل شيء بسيط خفيف.
طريقتنا هي أن التي تستضيفنا بالبيت تضع لنا القهوة والماء وصنف واحد بسيط من الحالي أو المالح مما يتوفر بالبيت أو الجاهز. أما العضوات الأخريات فلهن الحرية بأن يشاركن في الضيافة بإحضار ما يرغبن به عادة من صنع أيديهن.
٨. تحديد طريقة المناقشة:
إن هذه النقطة هي ما تجعل النادي ممتعًا أو مملًا وبالتالي تضمن استدامته. يجب أن يكون هناك شخص محدد ليدير الحوار ويسأل اسئلة جيدة عن الكتاب. من كل النوادي التي حضرتها، لم أجد إلا نادي واحد أشفى غليلي من هذه الناحية وهو نادي كلمات. وأعتقد أن السبب بأن صاحبة النادي هي دائمًا الشخص الذي يدير الإجتماع ويحضر له، ولا تترك مجالًا كبيرًا للمناقشات خارج موضوع الكتاب أن تستمر وتطغى على موضوع الكتاب. كما أنها تكتب الأسئلة في ورقة وقلم وأغلب اسئلتها بنهاية مفتوحة لتترك المجال للأعضاء بأن يتحدثون ويبدون آرائهم. وأكثر ما أعجبني بأنها تجعل المجموعة كاملة تتحدث بحيث لا يحتكر النقاش شخص أو اثنين.
*في التدوينة القادمة سأكتب عن كيف ننقاش كتاب بإذن الله
في النادي الخاص بي، العضوة التي اختارت الكتاب هي التي تحضر له وتكتب الأسئلة، لكن لا أراها ناجحة لأن الأغلب لم يلتزم بذلك، وأعتقد أنه من الأفضل أن يكون من يدير الجلسة هو غير المستضيف بحيث تقل المسؤوليات عليه. وأرى أنه يجب أن يتغير الشخص كل شهر حتى تتوزع المسؤوليات بشكل عادل.
يجب أن تؤخذ هذه النقطة بشكل جاد حتى تكون النقاشات عميقة وثرية أم إذا تُركت الجلسات بلا إدارة وكانت عفوية، ستتحول قطعًا إلى نادي اجتماعي وفضفضة ونقاش آخر ما توصل إليه المشاهير.
٨. إدارة النادي:
يجب أن يكون هناك شخصاً لإدارة النادي، (وأرى أن يكون شخص ثابت طوال السنة، وقد يتغير للسنة القادمة بحيث يجرب الإدارة أعضاء آخرون) ويقع علي عاتقه الآتي:
- ترتيب جدول الكتب واختيار الأشهر وتعيين الأعضاء.
- ترتيب مكان اللقاء.
- الإعلان عن كتاب الشهر والتذكير به.
- إدارة المجموعة على الواتساب.
- تقسيم صفحات الكتاب على أيام باستثناء يومي الجمعة والسبت، بحيث يكون هناك ورد يومي لكل عضو (قد تظنون أن هذه الخطوة غير ضرورية، لكن من خبرتي أن هذه الطريقة التي ترفع من التزام العضوات في القراءة).
- إرسال تذكير وتحفيز عن أهمية القراءة واقتباسات من كتاب الشهر.
- تحديد العضو الذي سيناقش والتأكد من مدى جاهزيته قبل الجلسة.
قد يقرأ البعض الموضوع ويشعر أنني قد بالغت في الجدية، لكن الموضوع يستحق فعلًا. إن مجتمع نادي القراءة إن كان فعالًا وناجحًا له أثر ملموس وواضح على الفرد وعلى المجتمع، وإذا أردنا أن نرتقي بأنفسنا وبأمسياتنا التي تذهب بلا هدف في أغلب الأيام فهذا استثمار ناجح وله أثر ممتد لكنه يحتاج التزام جاد وحس مسؤولية عالي حتى يستمر.
يسعدني استقبال اسئلتكم واستفساركم عن أي شيء حول نادي القراءة، وإن كنتم عضو في أي نادي شاركونا تجاربكم في التعليقات.
مخرج:
لا شك أن الكتاب ما يزال أفضل مصدر للتثقيف، وإغناء الثروة المعلوماتية لدى الإنسان، ومازالت القراءة الجادة والمنظمة والعميقة أفضل مورد لبناء ثقافة شخصية واعية ومتخصصة وراقية.
– عبد الكريم بكار