لقد عدت للتو من رحلتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية لحضور المؤتمر السنوي لجمعية المترجمين الأمريكيين (٥٨) في واشنطن. وبصفتي مترجمة فقد حضرت العديد من المؤتمرات، لكنني لم أشاهد شيئاً يشبه هذا المؤتمر قط! كنت لمدة ٤ أيام أحلق بين الغيوم.
قررت توثيق هذه التجربة هنا لأنني لم أجد أي مصدر عربي يتحدث عن هذا المؤتمر، وحتى يصبح الموضوع مصدر غني يرجع إليه أصدقاء المهنة عند رغبتهم لحضور المؤتمر.
قبل أن أسرد تجربتي، إليكم نبذة عن الجمعية:
جمعية المترجمين الأمريكيين هي جمعية تأسست عام 1959 وتعد من أكبر الجمعيات المهنية للمترجمين في الولايات المتحدة الأمريكية ويبلغ عدد أعضائها أكثر من ١٠٠٠٠ عضواً في أكثر من ١٠٠ بلداً وتهدف إلى دعم مهنة الترجمة التحريرية والشفهية وتشجعيها. ولمعرفة المزيد من التفاصيل هنا موقعهم.
قبل المؤتمر:
القرار:
كان حضور هذا المؤتمر أحد أحلامي المهنية، عرفت عنه عندما كنت في مرحلة البكالوريوس حين كنت ابحث كثيراً عن الترجمة المستقلة. ومنذ ذلك الوقت وهذا الحلم لا يفارقني. كل عام أعقد العزم على الذهاب، لكن عدة أمور تمنعني كالتكلفة الباهظة، والرحلة الطويلة، والتوقيت غير المناسب. وبعد عدة سنوات من متابعة أخبار المؤتمر، قررت بأن هذه السنة هي السنة المثالية لحضوره، لأنني لم أعد طالبة بميزانية محدودة، ولم أعد موظفة بدوام كامل تحكمني اجازات معينة، وقد قطعت شوطاً في مهنة الترجمة المستقلة يؤهلني للاستثمار في هذا المؤتمر.
اختيار رفيقة المؤتمر:
من أهم الأمور التي انصح بها بداية هي حضور المؤتمر مع زميل/ة. من حسن حظي أن زميلتي شيماء راسلتني وقالت لي بأنها ستذهب هذا العام للمؤتمر وأنها ستكون سعيدة لو رافقتها. شيماء مترجمة مصرية تعمل في السفارة الأمريكية بالكويت وتدير مكتبها الخاص “ترجماتي” لخدمات الترجمة، تعرفت عليها في تويتر وأصبحنا مقربتين لأن العديد من القواسم المشتركة تجمعنا، فنحن مترجمات وأمهات وندير مكاتبنا الخاصة، وأهم من ذلك كله لدينا نفس المخاوف والقلق كرائدات أعمال، لذلك قررنا دعم بعضنا البعض من خلال تبادل المعلومات والخبرات، واتفقنا على أن تحضر كل واحدة منا جلسة مختلفة أثناء المؤتمر ثم الجلوس معاً ومناقشة ملاحظاتنا التي دونّاها حتى يتسنى لنا الاستفادة القصوى من المؤتمر. وبما أن شيماء قد سبق وحضرت المؤتمر في العام الماضي، فقد استفدت منها كثيراً فكانت بمثابة المرشدة لي.
تجهيز المواد التسويقية:
يعد المؤتمر من أكبر فرص التواصل المهني، فحرصت أن يكون معي عدد كافِ من بطاقاتي لأوزعها، اخذت معي ٣٠٠ بطاقة لأنني أفضل أن يكون معي فائض على أن تنقصني بطاقة. حرصت أن تشمل معلوماتي الأساسية باللغة الإنجليزية والعربية، وملمسها يسهل الكتابة عليه، وذات تصميم بسيط جداً. كما حرصت أيضاً على تحديث السيرة الذاتية وإعادة صياغتها بشكل تسويقي جذاب، كما حرصت على تحديث معلوماتي في لينكد إن.
الاطلاع على جدول المؤتمر:
عند التسجيل في المؤتمر، حرصت على تحميل التطبيق في هاتفي المحمول ايضاً، وبعد أن سجلت معلومات التواصل ورفعت سيرتي الذاتية هناك، اطلعت على جدول المؤتمر، والجلسات، ونبذة عن المتحدثين ومواضيعهم. كان اختيار الجلسات من القرارات الصعبة لأن هناك العديد من المواضيع الشيقة التي تقام بنفس الوقت وينبغي أن اختار واحدة فقط لأنني، وللأسف، لا أستطيع التواجد في مكانين بنفس الوقت. ففي الحيز الزمني الواحد تنعقد ١٥ جلسة تقريباً. حددت جميع الجلسات التي تهمني، وكان من المفيد أنني حددت أكثر من واحدة لأن الجلسات عرضة للإلغاء، ولأنني قد احضر جلسة ما ولا تعجبني فأعرف اين اتجه بعد ذلك فوراً، وحتى أتناقش أنا وشيماء باختيار الجلسات في ما بيننا. وبعد اختياري للجلسات، قرأت عن المتحدثين وتابعتهم في تويتر وزرت مدوناتهم، وسجلت عدة أسئلة أود أن أطرحها عليهم بعد إلقائهم للجلسة. بل أنني أرسلت بريداً إلكترونياً لأحدى المدونات التي استفدت منها كثيراً وأخبرتها بأنني قادمة للمؤتمر وسأكون سعيدة جداً لو حصلت لي الفرصة بمقابلتها وشرب القهوة معاً وبالفعل تم ذلك وأسفر ذلك عن تعاون رائع بيننا سأكشفه في الوقت المناسب.
اكتشاف المنطقة المحيطة بالمؤتمر:
عندما علمت أن المؤتمر سيقام في العاصمة الأمريكية، تواصلت مع صديقتي نورة التي تقيم هناك منذ عام ٢٠٠٩ لدراسة الماجستير ثم الآن الدكتوراه، وطلبت منها تزويدي بقائمة بأفضل المطاعم المجاورة للمؤتمر حتى لا اضيع الوقت في التفكير أين أذهب عند وقت الغداء أو فترات الاستراحة التي تتخلل المؤتمر.لقد سعدت جداً بما أرسلته لي، لإن اقتراحاتها اضافت طعماً آخر للرحلة، فهي تعرف معنى الجودة في الأكل والقهوة. وبالنسبة لي الأكل الجيد من مقومات نجاح الرحلة.
الوصول بيوم على الأقل قبل المؤتمر:
كانت هذه فكرة زوجي، بأننا نذهب هناك قبل المؤتمر بيومين، حتى نتأقلم مع فارق التوقيت ويكون لدي الوقت الكافِ لارتاح قبل أن يبدأ المؤتمر وبالفعل كانت فكرة صائبة منحتني الكثير من الطاقة والوقت لاكتشاف الفندق الضخم والقاعات التي لا نهاية لها التي ستقام بها الجلسات مما سهل علي التنقل في أيام المؤتمر فأنا قد ألفت المكان.
أثناء المؤتمر:
الإقامة بنفس الفندق:
يرى البعض أن تكاليف الفندق عالية، فيستأجر فندقاً آخراً أو إير بي اند بي، لكن برأيي يجب أن يكون السكن في نفس مكان المؤتمر أولوية. هذا ساعدني كثيراً أثناء المؤتمر فعندما أتعب وأريد أن أرتاح أو أن أغير حذائي لألبس آخر أكثر راحة منه أستطيع الذهاب فوراً إلى غرفتي. كما أن الإقامة بنفس الفندق منحتني فرص أكبر للتعرف على مترجمين في غير أوقات المؤتمر: مثلاً قابلت أحد ممثلي وكالات الترجمة في المصعد أثناء ذهابه لغرفته وقد كان يبحث عن مترجم/ة تتحدث اللغة العربية.
تغطية المؤتمر على شبكات التواصل الاجتماعية:
تجمعني علاقة حب/كره مع شبكات التواصل الاجتماعية، وهذا أمر مثير للسخرية لأن عملي يعتمد اعتماد كبير على مدى تواجدي في شبكات التواصل. أحب الاستمتاع باللحظة ودائماً أجد أن هاتفي يمكنه أن يسرق وقتي مني لذا أحاول تقنين تواجدي الافتراضي. من الأمور المهمة التي تعلمتها هي كيف أن أغطي المؤتمر على تويتر دون أن يفوتني الاستمتاع بالمؤتمر. فأنا أجهز بعض التغريدات المحفوظة التي تتعلق بالمؤتمر بشكل عام في نهاية اليوم لأنشرها في الوقت المناسب، أما التغريدات التي تتعلق بالجلسات فأكتبها عند نهاية كل جلسة حتى لا اضيع وقتي على هاتفي أثناء الجلسة. وهذا المقال ساعدني في ذلك.
شحن الطاقة:
مدة المؤتمر ٤ أيام يبدأ من ٦ صباحاً وقد لا ينتهي إلا الساعة ٩ مساءً، حرصت على النوم المبكر قدر الإمكان، وعند استيقاظي في الصباح حضرت جلسات التمدد والاسترخاء مع مدربة اليوغا التي هي كانت أيضاً هي مترجمة! كما حرصت أيضاً على أن يكون معي قنينة الماء ومجموعة من ألواح الطاقة “غرنولا” في الشنطة. كنت اذكر نفسي طول الوقت بأنه لا يمكنني حضور كل شيء في المؤتمر حتى لو أردت، هناك عدد هائل من الفعاليات المصاحبة للمؤتمر من محاضرات، ومعارض، وجلسات التعارف، والحفلات، والمناسبات الاجتماعية أخرى. لم اشعر بالذنب أبداً عند تفويت أي شيء منهم لأنني اعرف أن ما جئت لأجله هو الاستمتاع بهذه التجربة ككل وليس اجهاد نفسي ومن حولي. فمرة فاتتني جلسة لأنني كنت أرغب في تمضية بعض الوقت مع شيماء التي تعرفت عليها منذ سنة تقريباً من غير أن نلتقي شخصياً، فعندما التقينا كان لدينا العديد لنناقشه سوياً، ولم أزر معرض التوظيف لأنني رغبت في تمضية الوقت مع زوجي وطفلي لنتمشى في أرجاء واشنطن.
بعد المؤتمر:
التواصل مع الأشخاص في المؤتمر:
بعد انتهاء المؤتمر كنت منهكة جداً، لكنني حرصت على التواصل مع الذين تعرفت عليهم أثناء المؤتمر. وحتى لا تكون هذه المهمة عبأ علي فقد جمعت كل بطاقات الأعمال التي حصلت عليها والتي كنت قد كتبت عليها ملاحظات حتى لا أنسى أصحابها مثلاً: “قابلته في المصعد” أو “إرسال نسخة من سيرتي الذاتي” أو “إرسال نموذج من ترجماتي” ثم قسمتها إلى ٣ أقسام: قسم الأشخاص المهمين الذين تعرفت عليهم وسيكون بيني وبينهم تعاون بأي شكل من الأشكال وقد راسلتهم بعد المؤتمر مباشرة، والقسم الثاني تعرفت عليهم لم نتفق على شيء محدد بالضرورة لكن قد يكون بيننا تعاون محتمل واهتمامات مشتركة ومن المفيد إضافتهم لشبكتي الاجتماعية وراسلتهم بعد رجوعي للرياض، والقسم الأخير كنت سعيدة بالتعرف عليهم لكن ليس هناك أي مجال للتعاون ولا أي اهتمامات مشتركة وبهذا لن اضيع وقتي ووقتهم.
مشاركة التجربة:
المشاركة بالنسبة لي شغف، فأنا أحب تمرير ما تعلمته للبقية لأن هذه الطريقة التي تعلمت بها كل شيء. لقد كنت أفكر بهذه التدوينة منذ أن وطأت أقدامي واشنطن وأحمل معي مفكرتي أينما ذهبت حتى أدون الأفكار التي أود أن أكتبها هنا. هذه التدوينة هي عصارة تجربتي التي أتمنى أن تكون نقطة انطلاق لكل من يريد أن يذهب للمؤتمر ويحقق الاستفادة القصوى منه.
وأخيراً، أنا ممتنة جداً لهذه التجربة الغنية التي ألهمتني على الصعيد المهني والشخصي، ورغم التكلفة العالية للمؤتمر والسكن والرحلة ككل إلا أنني انصح بها إذا تيسرت لأي مترجم/ة واتطلع إلى قراءة تجاربكم في السنوات القادمة.
يا سلام يا مها عشت معك أجواء التجربة وحسيت بلذة الإنجاز ..
أحببت ترتيب الرحلة بشكل احترافي ماشاء الله
وتقسيم تواصلك مع الناس يدل على نضج ووعي كبير تبارك الله
ربي يحقق لك ما تتمنين وأكثر ..
أهلاً يا سارة،
شكراً لك على لطافتك وذوقك 🙂
أسعدني تعليقك
شكراً لمشاركتنا تجربتك العظيمة وتلخيصها في نقاط واضحة ومرتبة، حقاً شكراً لهذا المجهود 💜
لستُ مترجمة ولا أريد أن أكون، ولا أدري لماذا قرأت هذه التدوينة، لكني سعيدة أني فعلت 🙂
من حقك علينا نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي، ومن حقنا عليكِ كتابة تدوينات رائعة مثل هذه 💜
مرحباً فاتن،
بل الشكر لك، ممتنة حقاً لتعليقك.
وسعيدة بأن الموضوع أعجبك رغم أنك لست في مجال الترجمة 🙂
جميل جدا ماشاء الله تجربة ملهمة. أحببت تسلسل التدوينة واستمتعت بقراءة مدونتك.